top of page
منصة جبران التعليمية
صورة الكاتبأ. محمد غريبو

الالتقاء في الاشتقاق نحويا وصرفيا

      


لقد مر معك في دراستك للنحو أن من الأشياء التي تنوب عن المفعول المطلق ملاقيه في الاشتقاق. وقد مر معك كذلك شاهد على ذلك قوله تعالى: ﴿واذكر اسم ربك وتبَتَّل إليه تبتيلا﴾، ومعنى الآية الكريمة: أن الله تعالى أمر رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم وكل مؤمن من بعده- أن يذكره سبحانه، وأن ينقطع إليه انقطاعا تاما، وألا يشغله غيره عنه. في الآية الكريمة ذكر فعل هو (تَبَتَّلْ) وذكر مصدر هو (تبتيلا) والتبتُّل من (البتْلِ). والبتل هو القطع، والتبتل هو الانقطاع. تقول: بتل الرجل الحبل، أي: قطعه. والمرأة البتول، المرأة الصالحة العفيفة الطاهرة المنقطعة إلى ذكر الله. وفي المعجم تشمل مادة (بتل) ثلاث صيغ النظر إلى عدد الحروف وليس المقصود الحروف الأصلية:
1-     الثلاثي (بتل) أي: قطع الشيء.
2-     الرباعي مضعف العين (بتَّلَ) ومصدره (تبتيل). بتَّل الشيء تبتيلا، أي: قطّعه تقطيعا. فالصيغة تدل على الإكثار من القطع؛ لأن المصدر (تفعيل) يدل على ذلك، مثل: التكسير والتحطيم والتقطيع.
3-     صيغة الخماسي: تقول: (تبتَّلَ). ومصدره (تَبَتُّل). وهذه الصيغة تدل على التدرج والتكلف والتأني والتمهل، مثل: التعلم والتكلم والتفهم.
        إذن الأصل هو الجذر الثلاثي (بَتَلَ)، واشتق منه فعلان آخران هما الفعل الرباعي (بتَّل) والخماسي (تبَّتَلَ). ولا ننسى أننا لا زلنا نتحدث عن مصادر الأفعال التي تكون نحويا مفعولا مطلقا. فعندما أقول: درس دراسة، استعملت المصدر (دراسة) الذي هو حقيقة مصدر الفعل (درس).
        أما في الآية الكريمة ﴿واذكر اسم ربك وتبَتَّل إليه تبتيلا﴾، فقد جاء الفعل خماسيا (تبتَّلَ) بصيغة الأمر، والمصدر (تبتيلا) ليس مصدره الحقيقي، وإنما هو مصدر الفعل (بتَّلَ) الرباعي. قارنوا ذلك في الجدول التالي لنفهم أكثر:

(حرك الجدول يمينا ويسارا إن لم يظهر كاملا)

الفعل

ثلاثي: بَتَلَ

رباعي: بتَّلَ

خماسي: تَبَتَّلَ

المصدر

بَتْل

تبْتِيْل

تَبَتُّل

 

           وكما نرى فقد استعمل الفعل الخماسي (تبَتَّلَ). وبدلا من استعمال المصدر الحقيقي له استعملت الآية الكريمة مصدر الفعل الرباعي (تبتيل).
           والآن نعود لنفسر معنى الالتقاء في الاشتقاق. أي: أن الفعل الرباعي (بَتَّلَ) والخماسي (تَبَتَّلَ) يلتقيان ويعودان من وجهة نظر صرفية إلى أصل وجذر لغوي واحد هو(بَتَلَ). وبما أنهما يلتقيان في جذر واحد جاز أن نستخدم مصدر أحدهما للآخر.
         وقد ذكرتُ هذه المعلومة هنا بعد اسم المصدر؛ لأن أغلب المنشغلين بالنحو يخلطون بين اسم المصدر والالتقاء في الاشتقاق.
           وربما يسأل سائل الآن عن الهدف والغاية من وراء استعمال مصدر فعل مكان مصدر الفعل الأصلي. والجواب باختصار كالتالي: معنى (بَتَّلَ) الإكثار من القطع، ومصدره (تبتيل). ومعنى (تبَتَّلَ) التدرج والتكلف والتأني والتمهل، ومصدره (تبَتُّل). وعندما جاء في الآية الكريمة (تبتّل) الدال على التدرج والتأني، واستُعمل معه مصدر (تبتيل) الدال على الإكثار دمج القرآن الكريم معنيي الإكثار والتدرج والتأني في عبارة واحدة موجزة. فبدلا من أن تكون الآية: وتبتل إليه تبتيلا وبتِّل نفسك إليه تبتيلا، جاء بالفعل لمعنى ثم بالمصدر لمعنى آخر، ووضعهما وضعا فنيا فكسب المعنيين في آن واحد.
١٠٦ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page