لقد مر معك في دراستك للنحو أن من الأشياء التي تنوب عن المفعول المطلق ملاقيه في الاشتقاق. وقد مر معك كذلك شاهد على ذلك قوله تعالى: ﴿واذكر اسم ربك وتبَتَّل إليه تبتيلا﴾، ومعنى الآية الكريمة: أن الله تعالى أمر رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم وكل مؤمن من بعده- أن يذكره سبحانه، وأن ينقطع إليه انقطاعا تاما، وألا يشغله غيره عنه. في الآية الكريمة ذكر فعل هو (تَبَتَّلْ) وذكر مصدر هو (تبتيلا) والتبتُّل من (البتْلِ). والبتل هو القطع، والتبتل هو الانقطاع. تقول: بتل الرجل الحبل، أي: قطعه. والمرأة البتول، المرأة الصالحة العفيفة الطاهرة المنقطعة إلى ذكر الله. وفي المعجم تشمل مادة (بتل) ثلاث صيغ النظر إلى عدد الحروف وليس المقصود الحروف الأصلية:
1- الثلاثي (بتل) أي: قطع الشيء.
2- الرباعي مضعف العين (بتَّلَ) ومصدره (تبتيل). بتَّل الشيء تبتيلا، أي: قطّعه تقطيعا. فالصيغة تدل على الإكثار من القطع؛ لأن المصدر (تفعيل) يدل على ذلك، مثل: التكسير والتحطيم والتقطيع.
3- صيغة الخماسي: تقول: (تبتَّلَ). ومصدره (تَبَتُّل). وهذه الصيغة تدل على التدرج والتكلف والتأني والتمهل، مثل: التعلم والتكلم والتفهم.
إذن الأصل هو الجذر الثلاثي (بَتَلَ)، واشتق منه فعلان آخران هما الفعل الرباعي (بتَّل) والخماسي (تبَّتَلَ). ولا ننسى أننا لا زلنا نتحدث عن مصادر الأفعال التي تكون نحويا مفعولا مطلقا. فعندما أقول: درس دراسة، استعملت المصدر (دراسة) الذي هو حقيقة مصدر الفعل (درس).
أما في الآية الكريمة ﴿واذكر اسم ربك وتبَتَّل إليه تبتيلا﴾، فقد جاء الفعل خماسيا (تبتَّلَ) بصيغة الأمر، والمصدر (تبتيلا) ليس مصدره الحقيقي، وإنما هو مصدر الفعل (بتَّلَ) الرباعي. قارنوا ذلك في الجدول التالي لنفهم أكثر:
(حرك الجدول يمينا ويسارا إن لم يظهر كاملا)
الفعل | ثلاثي: بَتَلَ | رباعي: بتَّلَ | خماسي: تَبَتَّلَ |
المصدر | بَتْل | تبْتِيْل | تَبَتُّل |
Comments