نعلم أن الجمع في النحو يبدأ من ثلاثة فصاعدا. وبناء على ذلك فإن التقسيم العددي في النحو يكون على الشكل التالي: مفرد (معلِّم)، مثنى (معلمان)، جمع (معلمون). لكن الجمع اللغوي مختلف عن الجمع النحوي، بمعنى أن الجمع في اللغة يبدأ من الاثنين فصاعدا، وهذا شيء منطقي. فعندما أقول: (ولد وولد = ولدان)، فقد ثُنِّيت الكلمة بجمع ولد إلى ولد. ورب سائل يسأل: ولماذا كل هذا اللف والدوران؟ دعنا على ما اعتدنا عليه. ماذا سأستفيد من هذه المعلومة؟ الجواب ببساطة: نحن نتعلم من أجل العلم، والنحو والصرف ما هما حقيقة إلا مفتاحان تاريخيا لفهم القرآن والسنة، وما يحملانه من مسائل فقهية. دعونا نرى كيف يمكن لهذه المعلومة التي تراها غير ضرورية أن تكون لها أهمية كبيرة في علم الفقه. انظر معي إلى المسألة التالية في علم المواريث: ((مسألة حجب الأم عن الثلث إلى السدس)): ((وقع الخلاف بين أهل العلم في حجب الأم عن الثلث حجب نقصان إلى السدس على مذهبين:
الأول: مذهب الجمهور: حيث ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأم تحجب عن الثلث إلى السدس باثنين من الإخوة فصاعدا. وهو مذهب علي وابن مسعود.
الثاني: مذهب ابن عباس: أنها لا تحجب عن الثلث إلى السدس إلا بثلاثة إخوة فصاعدا. وقد قال بهذا القول جماعة غير ابن عباس منهم معاذ بن جبل. وأصل الخلاف هنا سببه لغوي. وهو أقل الجمع. أي: أقل عدد يعتبر جمعا في لغة العرب. قال الله تعالى: ﴿فإن كان له إخوة فلأمه السدس﴾ ٌ[النساء: 11]. وكلمة إخوة هي جمع فما كان دون الجمع ترث معهم الأم الثلث. فإن صاروا جمعا حجبت إلى السدس. ولكن ما هو أقل الجمع؟ هذا هو سبب الخلاف)). [1]
[1]الإشراف على أصول الاختلاف، حسن السيد دياب، ج1، الصفحة 458، دار الكتب العلمية.
من كتاب: علم الصرف التطبيقي والإعراب الصرفي لمحمد غريبو
Comments