علم الصرف موضوعه الكلمة، فصلاحيته تبدأ من أول حرف فيها وتنتهي عند آخر حرف. أما علم النحو فيدرس الكلمة داخل التركيب، أي: تغير حركة الحرف الأخير من الكلمة بحسب العوامل التي تتسلط عليها.
وإذا كان علم النحو يهدف إلى سلامة اللسان من اللحن بالحفاظ على حركة الحرف الأخير من الكلمة، فإن علم الصرف يهدف كذلك إلى سلامة اللسان العربي من اللحن ولكن في نطق حروف الكلمة ونطقها وضبط صياغتها بالشكل السليم، فمن لا يعرف أوزان مصدر الهيئة (جِلسة)من مصدرة المرة (جَلسة) سيلحن في نطق الكلمة، ومن لا يعرف اسم الفاعل من اسم المفعول سيخلط بينهما، فمثلا: (المتوفي) -وهو اسم فاعل- غير (المتوفى) الذي هو اسم مفعول.
وكذلك فإن الكثير من الظواهر النحوية تُعرف من خلال الصرف، مثلا: لو قلت: (زيدٌ راكبٌ فرسًا) فإننا نقول في إعراب (فرسًا): مفعول به منصوب، ولا يمكن أن نصل إلى هذه الإجابة إلا بالنظر إلى كلمة (راكب) صرفيا، فلما وجدناها كلمة مشتقة على وزن اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المتعدي (ركب) قلنا: إن (فرسًا) مفعول به منصوب لاسم الفاعل صرفيا العامل عمل فعله نحويا.
وإذا قلنا: (سرتُ من مكة إلى المدينة) فإن حذف الألف من الفعل (سار) بعد إسناده إلى تاء الفاعل، لا يفسره النحو فقط، بل هو تقاطع للصرف والنحو معا، فحذف الألف من (سار) هو تعانق بين العِلْمين معا؛ لأن بناء الفعل على السكون بعد اتصاله بــ(تاء الفاعل) ولَّد التقاءً للساكنين، فحُذِف الساكن الأول الذي هو (الألف): (ساْرْتُ).
وكذلك تقدير الحركات على بعض الأسماء والأفعال، فعندما أقول: (يرمي، يدنو) فإننا في النحو نقول: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء والواو للثقل، ولا شيء غير الصرف يفسر لنا الثقل، فالضمة مقدرة مع إمكانية ظهورها؛ لأن ظهورها سيولد ثقلا على اللسان، والعربية تهرب من الثقل، ومن أجل ذلك وُجد الإعلال بالتسكين.
وفوق كل ذلك، لا بد أن نعلم أن الكثير من المصطلحات المستعملة في علم النحو إنما هي مصطلحات صرفية، منها: المشتقات كلها، المصادر وأسماء المصادر والالتقاء في الاشتقاق، والمثنى والجمع السالم وجمع التكسير، والمشتق والجامد، والمتصرف وغير المتصرف، وغيرها، فكل هذه المصطلحات موضوعة أصلا في علم الصرف ولكن العلمين يلتقيان فيستخدم المصطلح الصرفي في علم النحو وقت الحاجة.
وقديما قالوا: الصرف أم العلوم، والنحو أبوها، فشبهوه بالأم من حيث التولد، فكما أن الأم سبب لتولد الأولاد، فكذلك علم الصرف لتولد الكلمات. وشبهوا النحو بالأب؛ لأنه سبب لإصلاح اللفظ كما أن الأب سبب لصلاح الولد.
من كتاب: علم الصرف التطبيقي وإلإعراب الصرفي
للأستاذ: محمد غريبو
جزاكم الله خيرا ونفع بكم هذه معلومات قيمة
جزاكم الله خيرا وجعل ماتقومون به في خدمة اللغة العربية : لغة القران ، في ميزان حسناتكم وحسنات والديكم