top of page
منصة جبران التعليمية
صورة الكاتبأ. محمد غريبو

(غوغل) وصناعة الوهم



يعد محرك البحث "غوغل" اليوم أهم مصدر للمعلومات، ففي أي نقاش علمي على مواقع التواصل الاجتماعي يعمد أهل الاختصاص إلى تصوير شاشة الهاتف، والاستدلال بالمعلومات التي وصلوا لها من خلال البحث سواء أكان ذلك البحث في المواقع أو الكتب. وإذا اختلف اثنان في مسألة ما قالوا مباشرة (غوغلها) أي ابحث عنها في غوغل.


والموضوع هكذا يبدو جميلا يسهل علينا الكثير من أعباء البحث ويوفر الوقت. أضف إلى ذلك مشكلة شراء الكتاب الورقي الذي لا يقدر أي شخص على اقتنائه، ولا يمكن أن تجده في كل مكتبة، حتى وإن وجد فهناك الوقت الذي سنصرفه في الوصول إلى المعلومة داخل الكتاب.


إلا أن المسألة على كل ما تحمله من محاسن، لها وجه سلبي، من ناحية أنها تخلق في المرء وهم المعرفة، فإذا كان بمقدور المرء بالفعل أن يجيب عن أي سؤال مهما كان في اللغة بضغطة زر، إذن ماذا ينقصه كي يكون عالما ولديه كل سبل المعرفة؟.


وقد لاحظت شخصيا هذا الشعور بالعالِميّةِ في طريقة الكثيرين ممن يلجؤون إلى غوغل للإجابة عن الأسئلة التي يتعرضون لها، مهما كان السؤال وفي أي مجال من مجالات اللغة ترى جوابه جاهزا، يستعرض المسألة بالتفصل، ويذكر أسماء علماء لم تسمع بها من قبل، ويكتب في آخر الإجابة "والله أعلم".


أما كيف نعرف أن هذا الجواب منسوخ من غوغل فالمسألة تكاد تكون مضحكة في كثير من الأحيان، فغالب هؤلاء عندما يلصق جوابه، يضعه أمامك بالأقواس التي لا يمكن أن توجد مثلا إلا في موسوعة ويكيبيديا: [ .. ]، {..}، <...> ... إلخ أو تجده يضع أسماء الأشخاص بتواريخ وفاتهم أو ميلادهم، مثلا: الخَلِيل بن أحمد الفراهيدي البصري (100 هـ170 هـ - 718م 786م)، فنحن نستطيع أن نتقبل علمه بتفاصيل كل شيء، لكن أن يكون حافظا لتاريخ ميلاد ووفاة العالم بالهجري والميلادي فهذا ما لا يمكن تقبله.


وإذا صور صورة كتاب ما فيه المعلومات، أرسلها وفيها علامات مظللة باللون الأصفر تشير إلى العبارة التي كان يبحث عنها في غوغل.

ورب سائل يقول: وما الضير في كل ذلك إن كنا نصل في النهاية إلى المعلومة الصحيحة؟

المشكلة في ذلك أولا في الوهم المعروض، بمعنى أن من يُظهر نفسه بمظهر العارف بكل شيء، يخلق أمام المتعلمين صورة مثالية لا يصلها الخطأ أبدا، فهو بذلك صورة خارقة لا يمكن أن تُجارى، لا يمكن لك كطالب للعلم أن تصل إلى مستواها أبدا، وهذا ما يزرع في نفوس المتعلمين الإحباط، فما من عالم إلا يؤخذ عليه خطأ أو هفوة علمية.


النقطة الثانية، لا ضير في أن تستعمل غوغل للوصول إلى المعلومات، في حدود المنطق، لكن اعلم أيها العالم "الغوغلي" أن كل هذه القدرات والوهم الذي يعطيه غوغل مرتبط بنسبة الشحن الموجودة في جوالك ورصيدك من شبكة الأنترنيت، وهذا يعني أنه إذا فرغ رصيدك من الأنترنيت أو لم يعد هناك طاقة في بطاريتك فأنك لا تساوي شيئا، فقيمة هؤلاء الناس مرتبطة بقيمة وقوة شبكة الأنترنيت وقدرة بطارية الجوال، وقوة شبكة الأنترنيت في المنطقة التي أنت فيها.


الشيء الآخر، علماء البحث في غوغل يشبهون أصحاب العضلات المفتولة، الذين وصلوا إلى شكل جميل في البنية، لكن من خلال السيلكون ونفخ العضل بالحقن، وليس من خلال الرياضة والحمية الغذائية.

ومن هنا يختار كل منا قيمته وطريقته في التعلم، إما أن يتعلم بحق أو أن يكون عالما عارفا بكل شيء لكن بشرط أن تكون بطارية جواله أو حاسوبه مشحونة بالقدر الكافي.


وأخيرا، هذا فقط في مجال اللغة، فكيف بنا في ميدان الدين والسياسة وباقي علوم اللغة الكل يعرف كل شيء ويتحدث في كل شيء، وأطال الله عمر غوغل لأنه لو اختفى لظهر كثير الناس على قدرهم وحجمهم الطبيعي. كتبه أ. محمد غريبو

من كتاب المنهج الذاتي في تعلم اللغة العربية



١٠٤ مشاهداتتعليق واحد (١)

أحدث منشورات

عرض الكل

1 Comment


Najat Maanane
Najat Maanane
Feb 09, 2023

روتين ..صرنا نقوم به كل يوم في زمن الروتين اليومي في البحث عن المعلومة المغلفة الجاهزة للفصل في جدل أو

جدال ..

نرفض السيليكون للجسم ونفضل الحمية لكننا نسينا الدماغ….

نظرة ورأي سيجعلني أعيد النظر في وسيلة الشحن !!!

جزاكم الله خيرا على الأنوار

أنار الله دربكم

Like
bottom of page